السبت، 19 يوليو 2008

اختفت الألوان




اختفت الألوان فجأة وصارت حياتي باهتة كلوحة لم تكتمل تركها الرسام ناقصة فلا يُجيد سواه قراءتها ولا يعرف أحدا كيف يُفسر تتابع الخطوط على سطحها ...فجأة اختفت الألوان صدقني صار الورد أبيض والغصن أبيض أيضا وحتى شعري الأسود صرت أراه أبيضأهي لحظة تجلي أم غياب وعي أم مرضا جديدا يطرق باب حياتي المملة والفارغة من كل شيء الا من شبحه .صارت السماء أقرب أكاد أشعر بها تتسلل ببطيء من نافذتي ترتاح نجومها على سريري ويكسو سوادها عطوري وأوراقي , وأهبها أنفاسي راضية ببردها وسعيدة باتساعها واحتوائها لأشلاء روحي المتناثرة نجوما على خدها ..كل الأصوات الحبيبة تعود الي الآن , حتى أناشيد الطفولة أتذكرها بوضوح ويعود الي معها ضحكاتي العالية وشغبي المجنون , وأرى صورتي واضحة بضفائري المتمردة التي ترفض الالتصاق برأسي والشرائط البيضاء التي تتدلى باهمال بعد أن أتعبها التعلق بشعري , كل شيء يعود الي الآن حتى صوت الريح في يوم ماطر قضيته مع أمي , وبرد الماء في بركة السباحة التي اعتدتُ زيارتها كل جمعة مع أبي ..كل الأصوات الحبيبة تعود الي الآن , صوت أمي وهي تحكي لي عن الفتاة المطيعة لأهدأ فلا أُزعج منامها وصوت وقع أقدام أبي وهو يقترب من سريري ليغطيني فلا ينهش البرد أطرافي , وصوت كوب الماء الذي أضعه كل ليلة بالقرب مني ولا أشربه خوفا من كابوس مزعج أغص به ليلا ....ها أنا أعد ذكرياتي وكأنها غنائم حرب خبأتها بعيدا حتى لا أنساها اذا ارتفع رصيد هزائمي , جميلة الذكريات فهي مسكنات ألم نضعها على موضع الوجع لتخف حدته ويتسربُ اليه منها فرحا صغيرا نحتاج اليه كلما داهمتنا ليالي حزن طويلة ..تخيل يا حبيبي بأنني ماوجدتُك في ذكرياتي وماعدت الي معها , تصور بأن حكاياتي القديمة لاشيء فيها يخصك , ولا حدث يتعلق بك , كلها مرت في حياتي بدونك لماذا اذا يمنحني حضورك فرحا أكبر بكثير من حضورها ؟؟ لماذا تأتيني أنت بحكايتي كاملة وما كنت معي الا في آخر فصولها ؟؟ لماذا أشعر بالاكتفاء بك وحياتي عامرة بغيرك ؟؟ أسأل وأنا الممتلئة بالأجوبة حد التخمة , وكأنني أُبرر لروحي ضعفها أمامك وأُوجد لهشاشة احساسي بسواك سببا , وأضع لعلاقتي بغيرك سورا لا أتجاوزه مهما حاولت , صدقني يا سيد المطر صعب جدا أن نمنح الثقة الكاملة دون تشكيك فمهما حدث نظل نؤمن بأن فصلا من الرواية لم يُحكى بعد , ومشهد من المسرحيةلم يُرفع الستار عنه حتى الآن ...كل الأصوات الحبيبة تعود الي الآن وعندما أضم صوتك اليها تغيبُ كلها وأغيب أنا بها معك , وكأنك جمعتذكرياتي في شخص روحك الحاضر الغائب , فصرت عندي كل جميل غاب عن حياتي , فأنت ذكرياتي الراحلة بدوني , وأنت فرحي الذي يباغتني بحضوره , وأنت أيضا وجعي من الدنيا , ووجع الدنيا مني , أنت حكاية لم تكتمل ,أُنشودة طفلة كبرت ومازالت تنتظر آخر ألحانها لتُنشدها ويموت احساسها بها , أنت وطن ما أنصف شعبه , وشعب ما راعى حقوق وطنه ..يا أجمل ذكرياتي أحن اليك كورقة حملتها الريح تبكي تحت أقدام العابرين شوقا لغصنها كشعاع غادرته الشمس يبكي شوقا اليها شفقا أحمر عند الغروب.. يا يأسي من الدنيا ويأس الدنيا مني لاشيء عندي لك فكل ما أملكه معك ..يابعيدا كالألوان في الصورلا تعد أرجوك فأنا تعودتُ غياب الألوان كما تعودتُ غيابك