
لاشيء.
كل ما أملكه الآن بعد رحيلك لا شيء ..
يكبر فيني انعدام كل شيء وتتضاعف في حياتي المساحات الفارغة
وتزيد في عمري كل الساعات التي لا معنى لها ولاهدف محدد لمرورها ..
لاشيء هنا معي فكل ماحولي فضاء يحتوي صدى أنفاسي المتثاقلة وخطواتي البطيئة ,
هكذا وبلا سابق انذار صار كل شيء حولي لاشيء ,
وكل من معي لا أحد ,
ومابين الوجود والعدم صرت أنا أكبر يأسا وأمتد وجودا بلا وجود ..
قمة اليأس ياسيدي أن تشعر بأنك لا تُملك شيئا
وبأنك وبالرغم من امتلاء حياتك بكل شيء وبكل أحد تظل تشعُر بأنكلا أحد وبلا شيء ..
أنا لا أُقلل من شأن نفسي يا سيدي فكما تعرفني مازلت فخورة بي
ولا أخجل من فشلي ولا تُعيقُني انكساراتي
كل مافي الأمر أنني صريحة جدا مع نفسي
ولا أُخفي عنها ما يعتريني من ذبول ,
لا أُحب أن أفقد علاقتي بذاتي فيكفيني أن العالم على اتساعه فقدني
أو ربما أنا فقدته صدقا لا أدري ولا أُريد أن أدري ولا أظنني سأدري يوما من الأيام ..
أنالاأُقلل من شأن نفسي ولكنني تعلمت منذ نعومة أظافري بأن المواجهة قوة
وبأن الالتفات للخلف ماكان جُبنا أبدا بل ربما هو انتكاسة مُحارب يقترفها ليستجمع الطاقة ويعود من جديد ,
تعلمت ياسيدي أن العصفور الهارب من سربه ليس بالضرورة أن يكون تائها
فربما اكتشف ذات طيران بأنه يتبع تائهون ويسير بملأِ جناحيه نحو الضياع ,
تعلمت أن السقوط وان كان مؤلما ينفعنا أحيانا
فنحن بفضله نصل إلى الأرض ونتصل بترابها
ونُدرك مع تتابع السقطات بأن التصاقنا بالتراب يمنحنا تواضع ورضا وامتنان
وتعلقنا المتواصل بالسماء يمنحنا غرورا وسخط ونُكران ,
تعلمت بأن كل جرح منحوني إياه قتل فيني وهما وأحيا عوضا عنه إيمانا
فالجراح يا سيدي لا تقتلنا بل تجعلنا أكثر وعيا وتمنحنا مع الوقت قُدرة عجيبة على مداواة أنفسنا
فمهما انكسرنا نظل قادرين على منح أنفسنا وقتا مناسبا ليلتئم فيه الجرح ونعود لنقف من جديد ....
لاشيء معي
ولا أحد قادر على احتوائي اعترافي لا يُقلل من شأن صبري ولا يسلبني حق الاحتفال بانتصاري
فأنا مازلت هنا بالرغم من كل شيء
ولا يُهم ما بقي مني وما رحل ما يهم فعلا أنني مازلت قادرة على الوقوف بثبات
فلا تهتم كثيرا بكدمات روحي
ولا تكترث لثوبي المعفر بالغبار
فلا يُهم كم من المرات تعثرت ما يُهم فعلا أنني ما رضيت بالأرض وتعبت حتى أرفع عيناي إلى السماء ...
لاشيء معي ولا أحد يعنيني ,
كلهم متشابهون نفس الملامح الزائفة والابتسامات الباردة تلك التي تفتح بوابة الشتاء
وتعصف معها مشاعر جامدة كثلجه ,
كلهم متشابهون يعتقدون بأنهم الأذكى وبأن أقدامهم التي تقترف الخطوات قادرة على السير فوق أي طريق وأي أحد ,
رائحتهم لا تختلف تُشبه رائحة الغصون اليابسة تلك المعفرة بطين لونه باهت ,
وأصواتهم مُكررة تماما كصوت تفتت أوراق الخريف تحت أقدام العابرين ,
لاشيء يُميزهم عن غيرهم سوى وجودهم وتتابع أنفاسهم ..
لاشيء معي كل ما أملكه الآن بعد رحيلك لاشيء ,
لك أن تتخيل مقدار الغضب الذي أحمله الآن منك وعليك ولك ,
فوجودك في حياتي حرمني من الاستمتاع بوجود أي شيء ,
فصرت لا أقنع الا بكل الأشياء التي تُشبه تلك التي جاءت معك ,
ولا تُرضيني إلا تلك الوجوه التي تُشبهُك , ولاشيء ولا أحد يُشبهك ..
أنا لا أرفع من شأنك هنا كل مافي الأمر أنني أُقدر نفسي أكثر
وأعرف بأن أي رجل يعترض طريق أُنثى مثلي لا بُد أن تُصيبه لعنة الاختلاف
ويظل وللأبد يدفع ثمن حُبه لها وتعلقه بوجودها ,
مُقدر عليك أن تكون لي
أن تظل بالرغم من ابتعادك عالقا وسط حلقة مفرغة مهما ركضت داخلها لا تخرج أبدا
وان صادفت مخرجا تجاهلته لتعود من جديد باحثا عن وجود لا يُشبه سواه من عدم .
.أنا لا أرفع من شأنك هنا كل مافي الأمر أنني أُدرك تماما أنك تُدرك تميزك بي واختلافك عن غيرك معي ,
لاشيء يعوضنا ما نفقده لحظة غضب
ولا أملا يُعيد إلينا ما تسرب منا لحظة تجاهل وهرب ,
فقدتني وفقدتُك وصار صعبا على كلينا الالتقاء من جديد
فمُقدر علينا أن نظل وللأبد خطان متوازيان يمران في نفس الطريق ,
طفلان تائهان في غرفتين متقابلتين في نفس الطريق ,
مُقدر علينا أن نبكي شوقا ولا نسمع إلا أصداء نحيبنا
ولا باب يأخُذنا إلى بعضنا
هكذا سنظل حتى تسقط الشمس في حضن القمر
ويُضاجع الليل النهار ليُولد من رحم الكون يوما مختلفا
يمحُوا ما قبله من عمرنا ويُعيدنا حيث بدأنا مُجرد عاشقين بلا ذاكرة ,
مجرد قلبين بلا هوية ,
مجرد شخصين بلا شيء
وبلا أحد
وأُحبك من جديد حُبا يليق بك وأكثر وأكثر ...
ميس 21\5\2007