السبت، 19 يوليو 2008

*........*




....أشعر دائما بأنني مجرد غيمة مثقلة بالمطر أتحرك ببطيء كل خطوة تلتهم الأُخرى بتكاسل وكأن حياتي سماءا لا ريح فيها لا تدفعني الى الأمام ولا تسحبني الى الخلفتتركني هكذا معلقة بين يأس الجفاف وأمل المطر ..حياتي منذ البداية حكاية تُشبه قصص الأطفالوعندما أُفكر بإعادة ترتيب أحداثها أبدأ دائما بــ"كان يا ماكان "وكأنني أمنح نفسي قدسية أُسطورة لا أستحقها وأضع بيني وبين واقع ما اخترته جسر احساس مُزيف وابتسم رضا بخداعي لذاتي وبرسم خريطة كنز لحياتي .بيني وبين المطر علاقة تُشبه تلك التي تربُط الشتاء بالربيع مجرد فصلين لا يتشابهان أبدا ولكنها في نفس الدائرة يتحركان وفقا لاحساس الارض بهما فمتى ضحكت جاء الربيع , ومتى بكت تساقط ثلج الشتاء أنا والمطر ربيع وشتاء كلما كسرني اليأس استحلتُ شتاءا وربيعي مطر يتعلق بأهدابي ويتسلق ذيل ثوبي ويُلطخ بطين الأرض أقدامي ...غاضبة السماء مني فهاهي تُمسك مطرها عني وأنا التي تعودتُ أن أغتسل به كلما شعرت بأنني مثقلة بالخطايا ومتسخة بشوائب ذنوب اقترفتها ذات ضعف أو تعثرت بها ذات يأس ..لست مثلك يا سيدي تعرف كيف تكون قويا حتى وانت في قمة الضعف وتُدرك تماما كيف تصل وأنت في منتهىالضياع, الأقوى أنت فبالرغم من كل شيء تُجيد الرحيل وتُفكر بمنطق ولا تكتُب عن ذكرياتك كثيرا حتى لا تنبشجراحا قديمة , تعرف جيدا مامعنى أن تُحب أُنثى مثلي فهي ستظل لك بقيت معها أم رحلت , سيمنحك قلبها تذكرة عبور مفتوحة الصلاحية تستخدمها متى ما أحببت , كنت تعرف من البداية أن حُبك لامرأة مثلي مكسبمهما تعددت الخسائر وأنا كنت أجهل من البداية أن حُبك ضياع مهما أوضح لي الطرق للعبور من وجع الى آخر ..تُحبك السماء لابد أنك تعرف ذلك الآن فهاهي تتعاون معك يغيب مطرها وتغيب أنت وأُصبح أنا أكثر ضياعا بدونكما , لون السماء لا يخذلني , وزُرقتها ستُعيد لي مطرا غاب عني وحبيبا تركني وراءه ورحل كجندي في ساحة حرب لم يُحمل نفسه عناء تفقد من قُتل ومن يئن من جراحه , لا ألومك يا سيدي فمنيخوض حربا يعرف بأنها خاسرة منذ البداية لن يملك الشجاعة لمداواة الجرحى والبكاء على القتلى , فهو أدرك شكل النهاية ولكن البداية التي لا معالم لها خدعته فقرر المضي قدما بحثا عن نهاية قد تخدعه أيضا ولكنه نسي وقتها بأن البداية وهم والنهاية وهم أيضا نحن من نصنعهما ونحكي عنهما جراحا تلو الأُخرى ..عام مضى يا سيدي يُشبه ماقبله لا أذكر منه سوى دموع فراق وعيون منكسة عانقت الأرض انكسارا وأنامل باردة عبرت بهدوء جبين فارق الحياة وخلف من بعده قلب لا ينسى واحساس لا يموت , لم تكن معي وقتها ولكنك كنت سندي اتكأتُ على ذكرياتك لأقف وأُكمل عاما بدأتُه معك وانتهى الآن بدونك ..عام مضى لا انجازات تُذكر سوى أنني تعلمتُ كيف أكتب مذكراتي وتعلمت أيضا كيف أُمزقها , فكيف أكتب فراغا امتلأ به حياتي من بعدك , وكيف أُسطر حُبا كبيرا غرق فيه قلبي معك , كيف أمنح للورق سري ليفضحني ان رحلت وليقف من بعدي على حكايتي معك ان غادرت .....تذكرت كلامك لي عن الأمل والفرح والحياة , تذكرت احساسي بكل حرف وشعوري الأجمل بكل كلمة كنت أُشبه نجمة منتهى أحلامها أن تُقبل جبين القمر "أنت" وتغفو بين يدي السحاب "حضنك" ..كل شيء تغير الآن , الأميرة النائمة استيقظت دون قبلة وانما صفعة قوية اعادتها من جديد للحياة , مؤلم جدا أن تسقط من السماء الى الأرض والمؤلم أكثر أن تشعر بالغربة حيث أنت وتحن لسماء ماعادت تقوى على حملك وأنت مثقل بالخطايا وممتليء بذنوب التصقت بك دون أن تُدرك ذلك لم يكن الحزن اختياري يا سيدي بدأتُ أؤمن بأنه هو من اختارني وعلى غفلة مني صار يسكنني وجدني سهلة المنال وطيبة حد السذاجة , باختصار يا سيدي تربة خصبة لحزن لا ينتهي ..كلما حاولت التحرر منه أعادني اليه بوجع جديد وبألم مختلف كطفلة تركض باتجاه باب تُدرك تماما بأنها ستصطدم به ولا تكترث كثيرا ..بدأتُ أؤمن الآن بأننا بالرغم من احساسنا القوي بأن الحياة من اختيارنا نجد أنفسنا وقعنا ضحايا لاختيارات ما كانت لنا وما حلمنا بها أبدا ..لست متشائمة ابدا بل على العكس تماما فقمة التفاؤل هو أن تصل الى حزن عظيم يمنحك القدرة على الاحساس الصادق بالفرح فتُقدره وتحترم كل احساس يأتيك به حتى لو كان بسيطا وتافها في نظر غيرك ..لست متشائمة ربما ساعات ضحكي أكثر بكثير من بكائي , وصدقني بعد سنوات طويلة قضيتها معي اكتشفت بأن الحزن ليس بالضرورة سيئا فهو يمنحنا رضا عنا ومع الوقت تتحول ساعات البكاء الى ضحك هستيري ننسى معه ماضاع من عمرنا ..لا نختار من نكون ولا مع من نكون نحن نجد أنفسنا دائما عند مفترق الطرق ونظن بأننا نملك القدرة على الاختيار ..يا سيد المطر لقائي بك مُقدر تماما ككل جراحي وانكساراتي , ومكتوب منذ الأزل مثل اسمي وتاريخ ميلادي , علمتني الحياة ان لا أهرب من مواجهة كل ما تأتيني به لأنني عاجلا أم آجلا سأستسلم أمام قدر كُتب لي منذ الأزل لذلك أُحبك وسأظلُ أُحبك ربما تُمطر السماء فاغتسل منك وما أخشاه حقا أن تلتصق بي اكثر لان حُبك ماكان خطيئة ابدا والتعلق بك ليس ذنبا من ذنوبي ..أُحبك يا أكثر أخطائي صوابا يا أطهر ذنوبي أُحبك يا أكثر الحاضرين غيابا يا أسوأ انتصاراتي .