السبت، 19 يوليو 2008

ليت




..."حبيبتي"لماذا تظل بعض الكلمات عالقة بالذاكرة تنسج كل يوم من الوجع حبلا جديدا يربطها بها أكثر؟؟؟لماذا لا تغيب مع أصحابها ويرحل دفئها إن جاءتنا الدنيا بشتاء غيابهم ؟؟؟لماذا تُطاردنا كشبح يتسلل بمهارة من ثقوب الذاكرة ليسكنها فلا يرحل أبدا ؟؟لماذا تحمل بعض الكلمات أكثر من الحروف فتُصبح بعضا من الروح , نبضا جميلا يتلبس كلمة ,وإحساسا راقية يرتاح على السطر ..لماذا تركت لي مخزون كلمات لا ينضب , وكلما حاولت نسيانك تعالت أصوات حروفك معلنة الاحتجاج ,فتُعاتبني "أحبك" ليهدأ غضبي منك .. وتتسابق " وحشتيني " الواحدة تلو الأخرى لأبكيك دموع شوق بدلا من السخط قبل حُبك كنت أرى اللغة مجرد كلمات والحروف أشكال صنعنها شخص ما ليتحرر من أسر الإشارات , علامات الترقيم عندي كانت مجرد صورة ثانوية في أي نص أكتبه كثيرا ما أنساها ولا أهتم بذلك أبدا فهي عندي مثل السطور تماما قد أتجاهلها لأكتب تحتها أو فوقها , اللغة قبل وجودك وسيلة لغاية يُحددها الموقف ويُجبرني على اللجوء اليها الوقت والأشخاص , اللغة قبل أن أعرفك زينة أستخدمها لأُجمل وجه اعتذاري , اللغة قبل أن أعرفك مصلحة أتعلق بها لأكتب موضوع تعبير تُصفق له المعلمة أو رسالة لأبي مذيلة بطلب مبلغ من المال اللغة قبل وجودك في حياتي لاشيء سوى كلمات لاروح فيها وحروف لا معنى لها ..صرت الآن أُدرك تماما ما معنى أن نبكي ان أخذنا بيت شعر الى السماء , وما الهدف من الوقوف على سطر في رسالة عاشق ساعة ويزيد , بعد حُبك عُدت لقراءة قيس وجنونه وبكيت معه فلأول مرة أقرأُ القصة بروح وأعيشها بإحساس , معك صارت اللغة كيانا مستقل وأصبح حتى لبكاء الأطفال معنى لا شيء يُشبهه صرت أرسم الأصوات كلمات والنبضات حروف وتتابع الكلمات عندي كتتابع الانفاس قد تنهال سريعة وقد تخطو بتثاقل , أحببتُ علامات الترقيم صرتُ أتعلق بالفاصلة كلما وجدت جملي ناقصة ولا علاقة لمابعدها بها ,صار همي الأول الوصول الى النقطة لأُنهي عذاب حرفي وأقطع الطريق أمام وجع فقدك..متعبة يا سيدي كل الكلمات التي لا ترحل مهما مزقنا إحساسنا بها تظل شامخة لا تحتاج لسطور لتقف عليها ولا تبحث عن علامات الترقيم لتمنحها هوية , تُؤمن بأن كونها هي كافي جدا بأن يمنحها الحياة في ذاكرة من صُنعت من أجلهم ..كل كلمة كانت مني لك صعب جدا أن تكون لغيرك , صعب أن أُلبسها نفس إحساسي بها معك , ربما تحمل نفس الحروف ولكنها تأتي بدون روح , تماما كــ"صباح الخير " من مديرتي وكــ "وحشتينا " من زميلاتي كلها كلمات صنعتها العادة وكبرت احتراما للواجب فقط وأفرح بها لأنها تُعيد للذاكرة جيش كامل من كلماتك لي فيمتلأُ صباحي بعطر وجودك الغائب ويُصبح يومي غنيا بصوتك الفقير , صعب يا سيدي أن تجد امرأة مثلي تتعلق حتى بالكلمات وتُقدس روح الحروف وتبكي حيزا فارغا كانت تحتله "أحبك" كل صباح منك ..بعيد أنت الآن لا تسمع آخر كلماتي وربما لا تقرأُ حكاياتي عنك وبالرغم من كل شيء مازلت مؤمنة بأن من وهبني قلبا لا يُخطي وقت توقفه ولا يُضيف على النبضات المكتوبة له نبضة حياة جديدة قادر على منحه الضوء الأخضر للاحتفال بك كلما حملتك الذكرى اليه أو انتزاعك منه واستبدال الذاكرة المرهقة بوجودك بأُخرى لا تعرفك , اعترف لك بأن الإيمان مُتعب أحيانا فهو يدفعنا للصمود أكثر ولنُقاوم ريح النسيان التي تعصف بنا و لنقف من جديد , الإيمان يمنحنا الأمل واعترف بأننا نحتاج لليأس أحيانا ونحن في غمرة فرحنا بالأمل نحتاجه كصفعة في وجه اندفاعنا باتجاه فرح قد لا يأتي لنستيقظ من غفوتنا ونُدرك بأن اليأس وجه الدنيا الآخر الذي طالما هربنا منه ,
مشكلتي معك بأنني بدأت الطريق بيأس فوجدتُك تمنحني الأمل , كان الانكسار أول ذكرياتي مع الدنيا فجئت أنت لتمنحني الصمود , كان الضعف معطف أتدثر به من برد إحساس من حولي فوهبتني منك قوة أتدثر بها وأعيش معها بدونهم , مشكلتي أنك منذ البدء مشكلتي , وهمي الآن أنك منذ عرفتكصرت همي ..ليت كل من يرحل يحمل معه ملف وجوده كاملا ويُمنح إخلاء طرف فلا نُعيد النظر في إعادته ولا نُقلب صفحات سيرته الذاتية بحثا عن ثغرة بسيطة تُعيده إلينا ..ليت اللغة بقيت بالنسبة لي كما كانت قبل وجودك مجرد كلمات , ليت إحساسي بقي كما هو ساذج يستقبل بيت الشعر بإعجاب مراهقة تصنع لنفسها مخزون عاطفي جديد , ويقرأ الرواية بعين امرأة لم تجد ما يُشغل فراغها سوى شخصيات تتصارع فوق السطور بحثا عن نهاية ..ليت كل"ليت" تأخذنا إلى الرضا , فلا نجد أنفسنا بعد كل جملة بدأت بها ساخطين عليها ومتعبين من تكرارها ونُفكر جديا في تمزيق كل ورقة امتلأت بها , ليت كل يـا"ليت "مثلك يا سيدي , فأنت الحاضر الغائب , تمنح الأمل ومازال يأس مابعد رحيلك موجود, تأتي ذكراك صيفا ولاشيء يُشبه شتاء حياتي بدونك ..ليتك مثل"ليت" الآن حتى أُمزق كل مالك معي وبلا أسف عليك أُودعك ..ياليت